إضغط جام على هذه الصفحات وستصلكم كل أخبار تستور
نبش في ذاكرة تاريخ تستور للمربي محمد هنونة
العمق التاريخي لتستور
آختارالبرابرة ربوة تحاذي وادي مجردة و اسسوا على أنقاذها قرية فلاحيّة سمّوها تشيلا و يقصدون بذلك العشب الأخضرحسب الأثري تيسو وهو فرنسي الجنسية . وهي الآن تبعد عن تونس العاصمة قرابة 77 كلم .
و بما أنّ تشيلا جاءت بمفترق الطّريق بين قرطاج و تبسّة الجزائريّة فقد آزدهرت في العهدين الفينيقي و القرطاجي .
و يذكر المؤرّخون أنّ أهلها ساندوا نظامهم القرطاجي في الحرب ضدّ الرومان أي الحروب البونيقيّة الثلاثة . و أخيرا شاءت الأقدار أن ينهزم القائد القرطاجي يوغرطة و تسيطر روما على كامل المنطقة .
نمت زراعة تشيلا و توسّع عمرانها و أنشأت حولها مناطق أخرى وشيّدت الجسور و القلاع . و تقريبا في أوّل القرن الثّاني بعد الميلاد تدرّجت لتصبح بلديّة قبل أن يخرّبها الوندال .
و تواصل التضامن بين البربر و البيزنطيين إلى أن وصل الفتح الإسلامي هذه المنطقة حيث لم تعرف إلاّ إشراقة ضئيلة في العهدين الأغلبي و الصنهاجي سرعان ما قضت عليه الصراعات بين القبائل البربرية و الهلاليّة . وفي القرن السابع بعد الميلاد دخل الإسلام تونس و أصبحت مدينة القيروان أوّل عاصمة إسلاميّة أسّسها عقبة آبن نافع و آختار موقعها قريبا من السّبخة لتوفّر المرعى و أيضا قريبة من البحر المتوسّط حتّى يتمكّن من التّفطّن للأعداء و الإعداد الجيّد للدّفاع عن مدينته .
أصبحت مدينة القيروان العاصمة الجديدة و في نفس الوقت مركز الحياة الدّينيّة و الثقافيّة .وهي إلى اليوم من أعرق المدن الإسلاميّة و أكثرها شهرة في العالمين العربي و الإسلامي بفضل جامعها المعمور الذي أسسه عقبة آبن نافع و صورها المقام جزئيا إلى اليوم .
حكمت تونس عدّة دول من العرب و البربر و العثمانيين خلال القرون التي تلاحقت فآزدهرت الحياة الثقافيّة و الإجتماعيّة و الإقتصاديّة و الملاحظ هنا أن ّكلّ حضارة تترك بصماتها في هذا المجتمع .
وتميّزت هذه الحقب التّاريخيّة بكثير من الأحداث التي لها أهميّة كبيرة منها بناء جامع الزيتونة المعمور و الجامعة الزّيتونيّة وبروز العديد من العلماء و الأدباء نذكر منهم:عبد الرّحمان آبن خلدون المؤرّخ الشهير و رائد علم الإجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال له تأثيره إلى اليوم
كما شهدت هذه الفترة هجرة الأندلسيين المسلمين من إسبانيا إلى تونس و من هنا يبدأ تاريخ مدينة تستور مع المهاجرين الإسبان
ففي أواخر القرن 15 م آندلعت حرب أهليّة بإسبانيا غادرها البعض من أهلها المسلمين عام 1609م إلى شمال إفريقيا . و بديهي أن يستقرّوا في تونس لما عرفوه عنها من ثراء و شساعة أراضيها و خصوبتها وهي الملقّبة بمطمور روما آنذاك .
يقول ابن أبي دينار في كتابه : المؤنس ص 204 ما يلي :
و في سنة 1609 م الموافق ل 1016 هجريّا و التي تليها جاءت جالية الأندلس من بلاد النّصارى نفاهم صاحب إسبانيا و كانوا خلقا كثيرا .فأوسع لهم عثمان داي في البلاد و فرّق ضعفاءهم على النّاس. و أذن لهم أن يعمّروا حيث شاؤوا .فاشتروا الهناشير وبنوا فيها واتّسعوا في البلاد فعمرت بهم وآستوطنوا في عدّة أماكن و من بلدانهم المشهورة :
سليمان و نيانو وقرنباليا و تركي و الجديدة و زغوان و طبرقة و مجاز الباب والسلوقيّة و تستور وهي أعظم بلدانهم و أحضرها.....فصارت لهم مدن عظيمة و غرسوا الكروم و الزّيتون والبساتين و مهّدوا الطّرقات للمسافرين بالكراريط و صاروا يعدّون من أهل البلاد .
سكن مجموعة من الأندلسيين منطقة خروفة وهي منطقة قريبة من وادي مجردة و تجاور أولاد عيّار و الصخيرة ، وهي غير بعيدة عن تشيلا و يذكر أيضاأنهم تعرّضوا لمضايقات من الحاكم المركزي و أنّه من أهمّ ما يمتازون به حبّهم للعيش في تجمّعات فجعلتهم هذه الصفة يغادرون مستقرّهم الوقتي خروفة و يسكنون تشيلا فآختلطت الحضارات و آزدهرت من جديد .
يظهر هذا التّقدّم في شكلها العام حيث أحيطت بسور يحميها من هجمات الأعداء . و يقول العلاّمة قيران عند زيارته لها عام 1860 م :
: أمّا السّور الذي كان يحيط بها في زمان مضى فقد اندثر و اكن رغم ذلك يمكن تتبّع آثاره
ويخترق تستور شارع طويل ينتهي ببابين أحدهما بني من جديد و آستعملت في بنائه بعض الأحجار الأثريّة . و في زمن الرّومان كان هناك جسر يربط ظفّتي مجردة ولا تزال هناك آثاره و قواعد أعمدته
بقيت تستور محافظة على تراثها إلى منتصف هذا القرن وهو المتميّز بالتّأثير الإسباني
في الهندسة المعماريّة المركّبة بين الجمال و الوظيفيّة وفي التقاليد الفلاحيّة المتقدّمة كعمليّة الرّي بالنّاعورة و رنرنة نواقيسها و تصفيف الأشجار المثمرة المحاذية لمجردة .
و يظهر التّميّز في مختلف مظاهر حياة النّاس و التي تركت بصماتها في عادات الأفراح و أنواع الأطعمة مثل خبز الكوشة( أي الفرن) المحلّى بالزّعفران و عولة( أي مؤونة) السنة كالكسكس و المحمصة و نذكر أيضا العناية بالألبسة كالقشّابيّة الصّوفيّة و الشّاشيّة المعروفة اليوم بالشاشيّة التّستوريّة ذات الشّكل المتميّز و المعروضة حاليّا بمعرض الديوان القومي للصّناعات التّقليديّة بتونس العاصمة و التي أعطاها الإسبان قيمة فائقة حين أقاموا مصنعا للشّاشيّة على ضفاف وادي مجردة و توجد آثاره إلى اليوم
وآعتنى الإسبان أيضا بالمدائح الصّوفيّ و الموسيقى كالمالوف . و عن أحد الشيوخ قال أن ّفن ّالمالوف هو غناء خاصّ بالفلاّحين الإسبان يردّدونه و هم يشتغلون في أراضيهم فيتشجّعون على البذل و العطاء .
و بهذا التّراث الغني بقيت تستور تسحر الزّائر فهذا بايسونال زارها عام1724 م و قال :
تستور قرية يسكنها الموريسك الأندلسيّون ، وهي منفتحة و مشيّدة على طراز القرى الأروبيّة، بمنازلها و الشبابيك.تطلّ على زقاقها و سقوف بيوتها مغطّاة بالقرميد كما في منطقة بروفانس . و هذا شاو يقول عام 1727 م : تستور مدينة جميلة مزدهرة بإحكام يسكنها
عرب الأندلس
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire